سورة الأنفال - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


{إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)} [الأنفال: 8/ 42- 44].
يذكّرنا اللّه بالنعم العظيمة التي أمدنا بها، فاذكر أيها النبي حين التقى المؤمنون والمشركون في بدر، ذلك اللقاء الحاسم، واشكروه على نصره إياكم فيه، حينما كنتم في مواجهة رهيبة مع الأعداء، إذا كنتم معشر المسلمين في العدوة الدنيا، أي في شفير أو جانب الوادي القريبة من المدينة، الذي يتعذر المشي فيه، لأنها أرض رملية تسيخ فيها الأقدام، والمشركون نازلون في العدوة القصوى، أي في جانب الوادي الأخرى، البعيدة من المدينة إلى ناحية مكة، وهي قريبة من الماء، ووادي بدر آخذ بين الشرق والقبلة منحرف إلى البحر، والركب أي عير أو قافلة أبي سفيان المحملة بالتجارة المحروسة بأربعين من قريش أسفل منكم، أي مما يلي جانب البحر أو ساحله، ولو تواعدتم أنتم والمشركون في مكان للقتال، لاختلفتم في الميعاد، خوفا من القتال، لقلتكم وقوة أعدائكم في العدد والعدد، ولكن تلاقيكم عن غير موعد ولا رغبة في القتال، ليقضي اللّه ما أراد بقدرته وحكمته وعلمه من إعزاز الإسلام ونصر أهله، وإذلال الشرك وخذلان أهله، ولينفذ ويحقق اللّه أمرا كان مبرما وواجبا أن يفعل، وهو نصر أوليائه المؤمنين، وقهر أعدائه الكافرين من بعد ذلك اللقاء، فيزداد المؤمنون إيمانا، وامتثالا لأمر اللّه، ويظهروا الشكر له.
وكان لهذا اللقاء أثر آخر على المدى البعيد، وهو أن يموت من يموت من الكفار عن حجة بينة عاينها بالبصر، تثبت حقيقة الإسلام، ويعيش من يعيش من المؤمنين عن حجة، شاهدها بإعزاز اللّه دينه، لئلا يكون له حجة ومعذرة، أو ليقتل من قتل من كفار قريش وغيرهم ببيان من اللّه وإعذار بالرسالة، ويحيا أيضا ويعيش من عاش عن بيان منه أيضا، وإعذار لا حجة لأحد عليه، فالهلاك والحياة- على هذا التأويل- حقيقتان، فإن وقعة بدر من الآيات الواضحة التي ترسخ الإيمان، وتدفع إلى صالح الأعمال، وإن اللّه لسميع عليم، أي لا يخفى عليه شيء من أقوال الكافرين والمؤمنين، ولا من عقائدهم وأفعالهم، فهو سبحانه سميع لما قاله الكافرون، وعليم بأحوالهم، وسميع لدعاء المؤمنين وتضرعهم واستغاثتهم، وعليم بهم وبأنهم يستحقون النصر على أعدائهم، ويجازي كلا بما يسمع ويعلم.
واذكر أيها النبي فضلا آخر، إذ يريك اللّه الكفار في منامك قليلا، أي ضعفاء، فتخبر أصحابك بذلك، فتثبت قلوبهم، وتطمئن نفوسهم، ولو أراكهم كثيرا، أي أقوياء في الواقع لجبنتم عنهم، واختلفتم فيما بينكم، وتنازعتم في شأن القتال، فمنهم القوي الإيمان والعزيمة، ومنهم الضعيف الذي يخشى لقاء العدو.
ولكن اللّه سلّم من ذلك الفشل (الجبن) والتنازع، بأن أراكهم قليلا، إنه تعالى عليم بذات الصدور، أي بما تخفيه الصدور، وتنطوي عليه النفوس من شعور الضعف والجزع الذي يؤدي إلى الإحجام عن القتال، وعليم بالإيمان والكفر، فيجازي بحسب ذلك. واذكر أيها الرسول والمؤمنون الوقت الذي يريكم اللّه الكفار قبل القتال عددا قليلا، في رأي العين المجردة، حتى تجرأتم وارتفعت معنوياتكم، ويجعلكم بالفعل قلة في أعين الكفار، فيغتروا ولا يعدّوا العدة لكم، حتى قال أبو جهل: «إنما أصحاب محمد أكلة جزور، خذوهم أخذا، واربطوهم بالحبال».
{لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا} أي فعل اللّه كل ذلك ليمهد للحرب، فتكون سبيلا في علمه تعالى لنصرة المؤمنين وإعزاز الإسلام، وهزيمة الكافرين وإذلال الكفر والشرك، ثم إلى اللّه مصير الأمور ومردها.
آداب القتال وقواعده:
يتطلب القتال التقيد بقواعد وآداب معينة كثيرة، لتحقيق النصر، والعز، ولأنه موقف حاسم حساس يحتاج لضوابط لها أهميتها في الموقف القتالي، وآثارها في صفوف المقاتلين، ومن المعلوم أن القرآن الكريم ليس كتابا دينيا فحسب، وإنما هو دستور رصين متين في العقيدة والعبادة، والأخلاق والأنظمة، والسلم والحرب، لذا اشتملت توجيهاته على وصايا حكيمة، ومبادئ قويمة في الجهاد، فقال اللّه تعالى:


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47)} [الأنفال: 8/ 45/ 47].
هذه طائفة من الإرشادات والوصايا الإلهية تعدّ من ركائز قواعد القتال وأسسه الضرورية النابعة أصالة من وعاء الإيمان، لذا افتتحت بخطاب المؤمنين المصدقين بالله ورسوله، حتى وإن كانوا قلائل ضعفاء، والإيمان يمنح القوة ويرفع المعنويات، أما الكفر فشأن أهله الجبن وضعف المعنويات، حتى وإن انتصروا أحيانا.
وسبب نزول الآيات فيما رواه الطبري عن محمد بن كعب القرظي قال: لما خرجت قريش من مكة إلى بدر، خرجوا بالقيان والدفوف، فأنزل اللّه {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا...}.
وأول هذه القواعد الحربية: الثبات أمام الأعداء، فإذا حاربتم أيها المؤمنون أعداءكم والتقيتم معهم في ميدان القتال، فالواجب عليكم أن تثبتوا في قتالهم، وتصمدوا للقائهم، وإياكم والفرار من الزحف، فالثبات فضيلة وركيزة أساسية، والفرار كبيرة موجبة للعقاب.
ثبت في الصحيحين عن عبد اللّه بن أبي أوفى: أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم انتظر في بعض أيامه التي لقي فيها العدو، حتى إذا مالت الشمس قام فيهم، فقال: «يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا اللّه العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف».
والقاعدة الثانية: ذكر اللّه كثيرا في القلب واللسان، والتضرع والدعاء بالنصر والظفر، لأن النصر لا يحصل إلا بمعونة اللّه تعالى، وذكر اللّه في أثناء القتال يحقق معنى العبودية للّه، ويشعر بمعنى الإيمان والتفويض لله والتوكل عليه، ويرفع الروح المعنوية، ويكون عونا على تحقيق النصر، لذا ختمت الآية بقوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي إن هذا الثبات وذكر اللّه من وسائل الفوز بالأجر والثواب، والنصر على الأعداء، فإنكم بالثبات والذكر تنالون بغيتكم وتحققون آمالكم.
وذكر اللّه هنا ذكر خفي لأن رفع الأصوات في موطن القتال رديء مكروه، فأما إن كان من الجميع عند الحملة فحسن يهدئ، ويفت في عضد العدو.
روى أبو القاسم الطبراني عن زيد بن أرقم: أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إن اللّه يحب الصمت عند ثلاث: عند تلاوة القرآن، وعند الزحف، وعند الجنازة» وكان الصحابة يكرهون الصوت في هذه المواطن الثلاثة.
والقاعدة الثالثة: طاعة اللّه والرسول في كل ما أمر به أو نهى عنه وهذا يستتبع طاعة القائد لأن الطاعة من أسباب انتزاع النصر في القتال وغيره، فهي وسيلة الانضباط، وتوفير النظام، وقمع الفوضى، وتوقيت الأحداث بحسب ما يناسبها.
وإن من أهم قواعد الحرب في العصر الحاضر طاعة القائد، والمعروف لدى العسكريين: (نفّذ ثم اعترض).
والقاعدة الرابعة: وحدة الصف والكلمة والهدف، وترك التنازع والاختلاف، فإن وحدة الصف قوة وصلابة، والتنازع والاختلاف مدعاة للجبن والفشل والخيبة والهزيمة وتضييع القوة. قال اللّه تعالى في آية أخرى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (4)} [الصف: 61/ 4].
والقاعدة الخامسة: الصبر على الشدائد والمحن وتحمل بأس العدو، فإن الصبر سلاح القوي المقدام، واللّه يؤيد الصابرين ويعينهم وينصرهم، لذا قيل: «الشجاعة: صبر ساعة».
والقاعدة السادسة: ترك التكبر والبطر: وهو الأشر وغمط النعمة وإهمال شكرها، وترك الرياء، وهو المباهاة والتصنّع بما يراه غيرك، وقد نهى اللّه المؤمنين عن التشبه بكفار قريش الذين خرجوا متبخترين متكبرين مرائين للقتال في بدر، دفعا للحق، وصدا عن سبيل اللّه والإسلام، وإظهارا للفخر والاستعلاء بنعمة القوة والغنى والزعامة، ومن أجل مراءاة الناس، أي المفاخرة والتكبر عليهم، يتمثل ذلك في قول أبي جهل، لما قيل له: إن العير (إبل الميرة) قد نجت فارجعوا، فقال: لا واللّه، لا نرجع حتى نرد ماء بدر، وننحر الجزر، ونشرب الخمر، وتعزف علينا القيان، وتتحدث العرب بمكاننا فيها يومنا أبدا.
هذه النصائح التي هي دليل على الإخلاص في النية والعمل تكفل النصر للمسلم أبدا، لذا تقيدت الآية بزجر المؤمنين عن التشبه بخصال الكفار، وذلك في قوله تعالى: {وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} أي عالم بما جاؤوا به ولأجله، فيجازيهم عليه شر الجزاء في الدنيا والآخرة. وهذا وعيد وتهديد لمن بقي من الكفار، وتوضيح بأن القدر نافذ فيمن مضى بالقتل.
موقف الشيطان من الكفار:
تتوالى نعم اللّه وأفضاله على المؤمنين الصادقين بالإمداد والعون والنصر، وإضعاف موقف العدو وتحطيم معنوياته، وبيان مصائر الأعداء حين القتل أو الموت بسبب سوء ما قدموا من أعمال، وما جنوا من سيئات بوضع العراقيل أمام مسيرة الحق والإيمان، وأساؤوا لأنفسهم وأتباعهم، قال اللّه تعالى مبينا موقف الشيطان من الأعداء في المعارك:


{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (48) إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (50) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (51)} [الأنفال: 8/ 48- 51].
روي أن الشيطان يوم بدر تمثل لكفار قريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، من بني بكر بن كنانة، وكانت قريش تخاف من بني بكر أن يأتوهم من ورائهم، لأنهم قتلوا رجلا منهم، قال الضحاك: جاءهم إبليس يوم بدر برايته وجنوده، وألقى في قلوبهم أنهم لن ينهزموا، وهم يقاتلون على دين آبائهم.
والمعنى: واذكروا أيها المؤمنون المواقف المدهشة والعبر من مشاهد يوم بدر، وفي ذلك مشاهد ثلاثة: موقف الشيطان وهو إبليس نفسه كيف وسوس لكفار قريش ثم تخلص من المشركين وقت اشتداد المحنة، وموقف المنافقين الذين سخروا من المؤمنين لتهورهم قائلين: غرّ هؤلاء دينهم، وحال الكفار حين موتهم حيث تضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم.
المشهد الأول- أن الشيطان أتى بنفسه لمعسكر قريش بمكة، أو جاءهم وهم في طريقهم إلى بدر، وقد لحقهم خوف من بني بكر وكنانة لحروب كانت بينهم، جاءهم إبليس في صورة سراقة بن مالك من بني بكر، وهو سيد من ساداتهم، وقال لهم: إني مجير لكم، ولن تخافوا من قومي، وهم لكم أعوان على مقصدكم، ولن يغلبكم أحد، فسرّوا عند ذلك، ومضوا لطيّتهم، وقال لهم: «أنتم تقاتلون عن دين الآباء ولن تعدموا نصرا» فلما التقى الجمعان كانت يده في يد الحارث بن هشام، فلما رأى الملائكة نكص على عقبيه، أي رجع هاربا إلى الوراء، أي أحجم، فقال له الحارث:
أتفرّ يا سراقة؟ فلم يلو عليه، أي لم يقم معه ولم ينتظره، ودفع في صدر الحارث، وذهب، فوقعت الهزيمة، وقال: إني أرى ما لا ترون من جند الملائكة، وأظهر الخوف من اللّه قائلا: إني أخاف اللّه، واللّه شديد العقاب في الدنيا والآخرة. وكان خوفه من الملائكة حتى لا تحرق جنوده. هذا موقف الشيطان من كفار قريش.
والمشهد الثاني- هو موقف المنافقين من المسلمين: فإن المنافقين والذين في قلوبهم مرض، أي شك ونفاق وحسد وحقد وبطر، قالوا عن المسلمين: اغتر هؤلاء المسلمون بدينهم، وتقووا به، وظنوا أنهم ينصرون من أجله، فخرجوا وهم ثلاث مائة وبضعة عشر إلى لقاء زهاء ألف من قريش، وهذا صحيح في موازين القوى العسكرية الظاهرية في أنظار الناس عادة، ولكنه في ميزان اللّه وتقديره قد يختلف التقدير، فقد تغلب الفئة القليلة الفئة الكثيرة، ولم يعلم المنافقون أن من يتوكل على اللّه حق التوكل، فهو حسبه وناصره ومؤيده، فإن اللّه عزيز قوي غالب على أمره، يعز أولياءه، ويذل أعداءه، حكيم في فعله، عليم بخلقه.
والمشهد الثالث- حال الكفرة وقت الموت، وهو حال يستدعي التعجب مما حلّ بالكفار يوم بدر، وفي ذلك وعيد لمن بقي منهم، إنه مشهد رهيب مذهل لا يوصف، حيث تقوم الملائكة بضرب الكفرة بعنف وسخط، يضربون وجوههم وظهورهم بمقامع من حديد، وينزعون أرواحهم من أجسادهم بشدة وعنف قائلين لهم: ذوقوا عذاب الحريق، أي عذاب النار في الآخرة، وهو إنذار لهم بذلك العذاب. إن ذلك العذاب الشديد والضرب الأليم بسبب ما قدموا من أعمال سيئة، وارتكبوا من منكرات كالكفر والظلم في الدنيا، وهو جزاء حق وعدل، لا ظلم فيه لأن اللّه تعالى ليس بظلام للعبيد، ولا يظلم أحدا من خلقه، فهو سبحانه، الحكم العدل الذي لا يجور أبدا.
الموازنة بين عذاب المشركين وعذاب آل فرعون:
يعقد القرآن الكريم مقارنة أو موازنة بين ألوان العذاب أو العقاب الذي يوقعه بأهل الضلال والكفر بسبب ما اقترفوا من آثام وسيئات، وهذه مقارنة بين عذاب المشركين المكيين وعذاب آل فرعون لأن الجزاء واحد والأسباب متشابهة، وفي ذلك عبرة للمعتبر، وموعظة لكل عاقل. قال اللّه تعالى:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7